من أيّ الأبواب يتسرب هذا الإرسال؟
أرسى علماء الأصول قاعدة هامة، وهي: إن الحكم على شيء فرع على تصوره، فمن أراد أن يحكم على أمر من الأمور لابد له من فهمه والإلمام به.
ومن هنا فقبل أن نتعرض لمدى تأثير الدراما على النفس البشرية وعلاقتها بالتفاعل الإنساني، وتأثيراتها على المرأة، علينا أن نتعرف على معنى الكلمة ومدلولاتها.
¤ ماذا تعني الدراما؟
اُخذت هذه الكلمة من اللغة الإغريقية القديمة وتعني العمل.
أما التعريف الإصطلاحي فهو: تأليف شعري أو نثري يقدم حوار قصة يعالج جانبا من الحياة الإنسانية وغالبا ما تكون مُصممة للعرض على خشبة المسرح أو الشاشة كدراما أخلاقية أوإجتماعية -المعجم: اللغة العربية المعاصر.
وفي المعجم الوسيط: الدراما رواية تعد للتمثيل على المسرح.
فهي حكاية لجانب من الحياة الإنسانية يعرضها ممثلون يقلدون أشخاص أصليين في لباسهم وأقوالهم وأفعالهم.
وتنقسم القصص الدرامية في المفهوم الإغريقي إلى ثلاثة أجزاء:
1ـ الملهاة -الكوميديا: وهو الأداء التمثيلي الذي يؤدي إلى للضحك ممثلا بالقناع الأبيض الضاحك.
2ـ المأساة -التراجيديا: عكس الكوميديا وهو الأداء التمثيلي الذي يؤدي إلى الحزن، ويمثله القناع الأسود الباكي.
3ـ نوع خاص من الدراما يمزج بين الشعورين.
وهذا الأداء كما ذكرنا يُؤدى تمثيلا في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة.
¤ التقدم العلمي والتطور التكنولجي وتأثيره على الدراما:
صاحب القرن العشرين تطورا هائلا في الوسائل التي يتم من خلالها تقديم هذه المادة -الدراما- المؤثرة المتأثرة بالحياة البشرية، وأصبحت الدراما سلاحا فعالا سريعا في تشكيل المجتمعات والتأثير عليها.
¤ الغزو الفكري الجديد:
بعد أن إندحر الغزو العسكري وفقد تأثيره الذي كان يتربع عليه، ولم يعد يفي بغرض تحكم وسيطرة الأمم المتجبرة على الشعوب المستضعفة، وأصبحت سلبياته أعلى بكثير من إيجابيته فطن هؤلاء الغزاة الذين يملكون أحدث التقنيات الحديثة إلى اللجوء إلى الغزو الفكري، وإمتلاك النفوس البشرية وإستعبادها وتحريكها بليونة وسلاسة لخدمة أغراضهم، ثم جني ثرواتهم وخيراتهم وبلادهم وأعمارهم ودنياهم وأخراهم، فما أيسر ذلك بعد إمتلاك السمع والأبصار والأفئدة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
¤ واقع الأمة الإسلامية:
إن إلقاء مجرد نظرة على واقع أمتنا الإسلامية يجعل القلب يعتصر لتلك الغفلة التي عمت البلاد والعباد إلا ما رحم ربي.
فقد نجح أعداء تلك الأمة الإسلامية بعد غزوها عسكريا في الماضي إلى تفتيتها وتقسيمها إلى دويلات وإضعاف قوتها، ثم بدأ التربص بها في محاولة لمحو هويتها بالغزو الدرامي بجميع صوره، وليس هناك سبب حقيقي لهذا التغلغل في مجتمعنا إلا بُعد الأمة عن طاعة أوامر ربها وفهم دينها والعمل على الأخذ بأسباب الفلاح في الدنيا والآخرة.
فأصبحت غالب المجتمعات الإسلامية هي المتلقية لمخلفات أفكار الأمم الأخرى، فالكل يقذف عليها ما يريد ويلقي في وجهها بما يبالي ولا يبالي.
وحرصت الأمم المعادية لدين الله المحاربة لقيم الإسلام وما يدعو إليه من مكارم الأخلاق تلك الأمم الكارهة للشريعة الغراء حرصت كل الحرص على توظيف الدراما لإفساد المجتمع المسلم وإضعافه والمكر به ليلا ونهارليبقى بعيدا تائها في غياهب الضلال.
بل أصبحت تلك الدرامات المنهالة علينا هي أسهل وسيلة لنهب أموالنا وإهدار ثرواتنا خاصة البشرية فبُدأ بالتشويش على القيم الإسلامية ثم إضعافها ثم إنكاراها والإستهزاء بها وتقديمها بالضحك منها والسخرية عليها وإظهار المتمسك بها بصورة مزرية تثير التقزز والرفض ليس للأشخاص المؤدين لتلك الأدوارفغالبا ما يتم إختيارهم من المقبولين المحبوبين للمتلقي، وبالتالي ينسحب الرفض على أصل تلك القيم ثم إحلال القيم الهدامة عن طريق دسها بالتدريج وإستخدام أسلوب النفس الطويل.
ونحن كالبلهاء نلقي لهم السمع وتحملق إليهم أبصارنا مشدوهين منبهرين، ثم نسلم قلوبنا تبعا لذلك مختارين مهللين بالإبداع ودعوى التقدم طالبين المزيد غافلين عن قول ربنا سبحانه {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].
وقبل البحث في موقف الدين الإسلامي من الدراما، وهل يمكن إستخدام هذا السلاح كوسيلة للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علينا أولا إستعراض صور لبعض جوانب الحياة في مجتمعاتنا، ومراحل حياتنا التي تأثرت بتلك الدراما والبحث في مدى التحول الذي لحق بها.. وهو ما موضوع الحلقات القادمة في هذا الملف.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.